في رمضان... أدباء العرب يجتمعون في بيت المقدس | أرشيف

عجاج نويهض، مدير «دار الإذاعة الفلسطينيّة» (1897 - 1982)

 

المصدر: «صحيفة فلسطين».

زمن النشر: 1 أيلول (سبتمبر) 1943. 

العنوان الأصليّ: «في رمضان المبارك... أدباء العرب ومثقّفوهم يجتمعون في بيت المقدس».

 


 

القدس، 31 آب (أغسطس) – لمراسل «صحيفة فلسطين» الخاصّ.

استقبل الأديب الألمعيّ السيّد عجاج نويهض مراقب البرامج العربيّة والنشر في «دار الإذاعة الفلسطينيّة» في الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم، وفد مندوبي الصحف العربيّة، بما فُطِرَ عليه من كرم الوفادة ورائق الحديث وصائب التفكير؛ وأجاب على أسئلة مندوبي الصحف بما يلي:

 

سؤال: علمنا أنّ «دار الإذاعة الفلسطينيّة» قد أعدّت برامج خاصّة، شأنها كلّ سنة، لرمضان المبارك، وبلغنا أنّ عددًا من الشخصيّات العربيّة في البلاد المجاورة، قد وصل بعضهم ويصل بعضهم الآخر إلى فلسطين قريبًا، للاشتراك في هذه البرامج. وذلك بدعوة من «دار الإذاعة»، ولا ريب أنّه يهمّ القرّاء الكرام في فلسطين وشرق الأردنّ أن يعلموا شيئًا من التفصيل عن هذه البرامج وهؤلاء الشخصيّات المحترمة.

عجاج نويهض: يسرّني جدًّا أن أقدّم إلى صحفنا الوطنيّة ما أستطيع تقديمه من معلومات عن برامج رمضان المبارك هذا العام، ولكن، قبل ذلك عليّ أن أشكر صحفنا الوطنيّة شكرًا جزيلًا على عنايتها ببرامج رمضان المبارك، لأنّ الصحف والمذياع هما، وإن اختلفا في الشكل، وسيلتان من وسائل خدمة الجمهور. وأمّا برامج رمضان هذه السنة في «دار الإذاعة الفلسطينيّة»، فيشترك فيها عدد من الشخصيّات العربيّة البارزة من البلاد المجاورة، ومن شرق الأردنّ وفلسطين أيضًا. وبعض هؤلاء الشخصيّات المحترمة قد وصل العلم منهم يفيد بموعد حضورهم إلى القدس في 10 رمضان، ويُنتظر أن يصل العلم من البعض الآخر في وقت قريب.

يسرّني أن أقول إنّ ما تتّخذه «دار الإذاعة الفلسطينيّة» من الهدف لغايتها في المواسم الكبرى، هو تعزيز الثقافة الإسلاميّة العربيّة عن طريق الحديث عن أهل الفضل والمكانة في البلاد العربيّة. ويسرّني أن أقول إنّ «دار الإذاعة الفلسطينيّة» هذه السنة، قد وُفّقت بعون الله إلى جعل المساهمة في برامج رمضان مشتركة بين البلاد العربيّة كلّها مثل مصر والعراق وسوريّا والحجاز ونجد، فضلًا عن شرق الأردنّ وفلسطين الشقيقتين المتجاورتين.

 

سؤال: إذن، لهذه الخطوة الحسنة الّتي تخطوها «دار الإذاعة الفلسطينيّة» فائدة أوسع وأكبر للثقافة العربيّة ممّا نعتقد، لأنّه من خدمة الثقافة العربيّة، لا سيّما في الوقت الحاضر، أن تُسمع أصوات عديدة من شخصيّات عربيّة محترمة تذيع أحاديثها حول «مذياع بيت المقدس».

نويهض: إنّ خدمة الثقافة العربيّة، كما قلت آنفًا، واجب مقدّس في كلّ آن، لكنّه في الآونة الحاضرة أكثر تقديسًا في نظري، لأنّ الشعور العربيّ في مختلف البلاد العربيّة أخذ يستحثّ بعضه بعضًا نحو غاية توحيد الثقافة العربيّة ورفع مستواها، وكيفما أدار الإنسان اليوم نظره في البلاد العربيّة، يجد هذا الشعور ينمو نموًّا سريعًا، وهو يحمل كثيرًا من الشوق لبلوغ غايته المقصودة. ولأجل تحقيق ما يمكن تحقيقه من هذه الغاية الطيّبة، قامت الإذاعة في المدّة الأخيرة بدعوة عدد من أهل الفضل في البلاد العربيّة ليحضروا إلى القدس ويلقوا من حول مذياعها سلاسل من الأحاديث.

ويسرّني أن أقول إنّ علامة الشام الأستاذ محمّد بك كرد علي وزير المعارف سابقًا في سوريّا، ورئيس مجمّعها العلميّ العربيّ، قادم من دمشق في هذا الأسبوع ليشترك مع زملائه الكرام في برامج رمضان. ومن مصر، سيقدم علينا في العاشر من رمضان الدكتور عبد الوهّاب عزّام والدكتور محمّد عوض، وكلاهما من أعلام مصر ورجال العلم والأدب فيها، وكلاهما أيضًا من أساتذة «الجامعة المصريّة». ومن العراق قدم علينا في هذين اليومين الأستاذ طه بك الراوي، أحد أعلام العراق في الفضل والعلم والأدب. وقد حضر مؤخّرًا مؤتمر الثقافة العربيّة في القاهرة بصفته أحد عضوي العراق في ذلك المؤتمر. ويُنتظر أن تحضر إلى القدس شخصيّات عراقيّة أخرى.

ويسرّني أن أقول إنّ برامج رمضان هذه السنة ستتضمّن ممّا تتضمّنه أحاديث من أدباء الحجاز ونجد؛ فقد وجّهت «ار الإذاعة» دعوة إلى أديب الحجاز وشاعرها الأستاذ إبراهيم الغزّاوي، وإلى أحد علماء الدين في نجد بواسطة سعادة قنصل المملكة العربيّة العامّ في القدس. فورد الجواب في هذين اليومين بأنّ الدعوة قد قُبِلَتْ، ولكن، لضيق الوقت، لا يتمكّن المدعوّان الكريمان من الحضور إلى القدس بنفسيهما، ولذلك سيُرسلان أحاديثهما إلى «دار الإذاعة» لتُلقى بالنيابة عنهما باسم الحجاز ونجد. ومن هذا يتّضح أنّ سلاسل هذه الأحاديث تمثّل عناصر الثقافة العربيّة في مختلف أقطارها، وأضيف إلى هذا أنّ عددًا من أهل الفضل والأدب من فلسطين وشرق الأردنّ سيشتركون في هذه البرامج، وبذلك تكون صورة الثقافة العربيّة تامّة قدر الإمكان.

 

سؤال: هل في نيّتكم جعل الجمهور الكريم في البلاد العربيّة يستفيد من هذه الأحاديث الّتي يتولّى إذاعتها هذا النفر الكريم من الشخصيّات العربيّة بعد إذاعتها؟

نويهض: نعم، في النيّة أن تُدرج هذه الأحاديث في الجزء الثاني من كتاب «حديث الإذاعة». وقد صدر منه الجزء الأوّل السنة الماضية، وسيصدر الجزء الثاني منه في أقرب فرصة.

 

سؤال: هل من الممكن أن نعلم ما هو مبلغ تأثير المذياع في جمهور المستمعين في البلاد العربيّة اليوم؟ وقد يكون هذا السؤال خارجًا عن صدد البحث في الوقت الحاضر.

نويهض: كلّا، لا أعدّ هذا السؤال خارجًا عن الصدد، ويسرّني أن أجيب عليه بمقدار علمي القليل وخبرتي القليلة. وذلك أنّ تأثير المذياع في تطوّر الفكر العربيّ اليوم في البلاد العربيّة، تأثير عجيب، والحقّ يقال؛ فهو لسهولته وتنوّع موادّه، يجعل الانقلاب الفكريّ في الأمّة العربيّة أسرع ممّا تتصوّر. ولو كانت أجهزة الراديو متيسّرة للحصول عليها اليوم في الأسواق التجاريّة، لكنت ترى في كلّ بيت تقريبًا جهاز راديو. وفي البلاد العربيّة اليوم عدّة محطّات متآخية تعمل معًا لغاية واحدة وهي كلّها تتّخذ من إعزاز الثقافة هدفًا طيّبًا لها. وتصوّر أنّا ونحن في القدس مثلًا، نستمع إلى «بيت المقدس»، فما هي إلّا لحظة حتّى ننتقل إلى القاهرة، ثمّ إلى دمشق، ثمّ إلى بغداد فإلى بيروت، فنسمع الحدث العربيّ من جميع هذه المحطّات وغيرها يُنطق بلغة الضادّ، وهو يبحث في مختلف شؤون الأمّة.

وأعتقد أنّ تأثير المذياع بعد الحرب سيتضاعف، إذ سيتيسّر للجمهور آنذاك الحصول على أجهزة الراديو بسهولة أكبر.

 

سؤال: نعتقد أنّ فلسطين، وهي بلاد عربيّة عزيزة، مدينة بالشكر إلى البلاد المجاورة وإلى جميع الشخصيّات العربيّة المحترمة الّتي تشترك في برامج محطّتها..

نويهض: وهذا الشكر عظيم جدًّا لأنّ كلّ شخصيّة عربيّة من الشخصيّات الّتي اشتركت في البرامج في الماضي، والشخصيّات الّتي تشترك اليوم وغدًا، تمثّل الغيرة على الثقافة العربيّة كما تمثّل غاية الفضل والعلم والأدب. وهذه الشخصيّات هي موارد صافية للثقافة العربيّة. ولو كان المصلح العربيّ السيّد عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله حيًّا اليوم، لكان أخرج كتابه «أمّ القرى» وأداره على لسان المذياع بدلًأ من جعله يدور على ألسنة مؤتمر محصور في عاصمة من عواصم العرب. ومثل ذلك قل عن جمال الدين الأفغانيّ وجميع رهط المصلحين في الشرق.

 


 

عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.